pregnancy
آخر الأخبار

التنمية البشرية في أشعار العرب

التنمية البشرية في أشعار العرب 

كلنا نستمتع بذكر الشعر العربي لما له من موسيقى جاذبة وآخاذة للحس والمشاعر، فالنسق الشعري والبيان السحري في النظم يعطي القارئ والسامع روعة وقبولا واسعا.
ويرى كل متابع للشعر العربي أن الشعر له أغراض كثيرة منها الفخر والهجاء والعتاب والغزل وغيره، صحيح أن هذه من أغراض الشعر العربي، لكن لا نغفل ما في الشعر العربي من تنمية حقيقة آخاذه في نفوس الشعراء، سواء من حيث افتخارهم بأنفسهم او من حيث الحكم التي سطروها في أشعارهم، بل في الكثير من نصائح الشعراء حكم تنموية رائعة لكل سامع لها، وسنـأتي على بعض نماذج من الشعر العربي التي قيلت وكيف تتمثل اليوم في التنمية البشرية.
التنمية البشرية في الشعر العربي والجاهلي

صفة تطوير الذات:

معروف أن من أفضل السبل لتطوير الذات هو القراءة، ولا يوجد شيء في القراءة ينمي القدرات العلمية والعقلية للفرد مثل القراءة.
ومما يقال عن القراءة:
الكتاب ليس فقط صديقاً بل يصنع لك أصدقاء.
كنت أدرك بعمق أن أكبر واق من الجنون والموت المجاني هو الكتاب.
ففي الشعر العربي ما هو أفضل ترنما في الاعجاب بالقراءة واروع نظما وسياقا، فلذلك عبر شاعرنا المتنبي عن القراءة، فقال:
أعز مكان في الدنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
فهو في هذا البيت الشعري قد جمع لنا بين صفات مهمة ورائعة في التنمية البشرية، هي: تطوير الذات عن طريق القراءة، والتحلي بالشجاعة.

صفة الحلم والتسامح:

للدكتور إبراهيم الفقي أحد كبار رواد التنمية البشرية في العالم العربي كتاب في الحب والتسامح، وهناك الكثير من الدورات والبرامج التي تتحدث عن التسامح، هذه الصفة لا يخلو منها الشعر العربي، ولا عجب إن قلنا: إن الشعر العربي فاق في الحب والتسامح كل كتب التنمية البشرية، فهذا عنترة ابن شداد، يقول:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب
ليس عنترة فقط بل بين لنا بكل سلاسة وطلاقة الامام الشافعي قيمة الحب والتسامح، فقال:
لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ
أرحت نفسي من هم العداوات
فأي كتب التنمية البشرية ستدبج لنا مثل هذه المقولات الرائعة والحكم الرصينة والكتابات العميقة في سهولتها وروعتها، لا عجب فهو الشعر العربي بكل ما فيه من نغم وموسيقى يفيض علينا من ينابيع خيره.

تحمل المخاطر وعدم الخوف منها:

قد نسمع لكلام محمد علي كلاي وهو يقول:
 الذي لا يملك الشجاع الكافية لتحمل المخاطر لن يحقق أي إنجاز في الحياة.
فتقف أمام هذا الكلام بل تنشره في كتاباتك على الفيس بوك وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن ماذا لو سمعنا للشاعر العربي الكبير الطغرائي الذي يعتبر فخر الكتاب من علماء الكيمياء الذي ولد في القرن الرابع الهجري في عام 455م وهو يقول:
حبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه
عن المَعالي ويُغرِي المَرءَ بالكَسلِ
فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقاً
في الأرضِ أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودَعْ غمارَ العُلى للمقدمين على
ركوبِها واقتنِعْ منهن بالبَلَلِ
فهو يلخص لنا بأن المعالي لا ينالها من يبحث عن السلامة في ماله او في ولده او في نفسه، إنما لابد له من ركوب المخاطر والاقدام عليها، نسج الكلام في روعة شعرية وأبيات نبوية رائعة يترنم بها الانسان أينما كان.
يقولون في التنمية البشرية في مغادرة منطقة الراحة:
الرحة في ترك الراحة.
أما شاعر العرب أبو فراس الحمداني فيقول بمعان رائعة تبعث الراحة في الشعر، وتعزز الثقة بالذات وتحفزها، فيقول:
يقولون بعت السلامة بالردى
فقلت أما والله ما نالني خسر
ويقول الامام الشافعي في مغادرة منطقة الراحة وتحمل المخاطر والاقدام عليها:
إني رأيت ركود الماء يفسده
إن ساح طاب وأن لم بجر لم يطب
وهذا أبو القاسم الشابي يهدي لنا الطموح بطريقة رائعة، ويستحضر معنى ركوب الخطر ولذته، وأن الذين يمتلكون حس المغامرة هم الأحياء بين البشر، وهي قصيدة محفزة تحث الإنسان على عدم التردد وخوض غمار الحياة بصعابه فقال:
أبارك في الناس أهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان
ويقنع بالعيش عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر

قانون المكسب:

من القوانين التي تكلم عنها استيف أي كوفي في كتابه العادات السبع الأكثر فاعلية في حياة الناس، وفحواه أن المكسب لا يكون في إطار خسارة الاخر، وذكر بأن المكسب لا يكون إلا إذا كسبت كل الأطراف.
وهذا المعنى يعبر عنه الشاعر البرغوثي، فقال:
بعض المعارك في خسرانها شرف
من عاد منتصراً من مثلها انهزما
وهذا البيت لخص قانون المكسب بطريقة رائعة جدا، فبعض المعارك في الحياة، يكون من المناسب فيها عدم الكسب.

تحقيق النجاح:

في سبيل تحفيز الانسان على النجاح وتحقيقه تكتب الكتب وتؤلف المؤلفات وتقام الدورات، ومما قيل في النجاح:
إن النجاح لا يتطلب عذراً، والفشل لا يترك أي مبررات.
ومن أروع منه ما قاله الشاعر العربي:
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا
لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا
و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
هذان بيتان رائعان لأبي فراس الحمداني، فهو يبين أن في سبيل تحقيق الأهداف تهون كل الصعاب، وأيضا يقول أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وهذا شاعر أخر يسطر المعنى بأبيات تفيض حكما، وهو ابن هانئ الأندلسي، فيقول:
ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه
فمن كان أسعَى كان بالمجدِ أجدرا
وبالهمةِ العلياءِ يرقَى إِلى العُلا
فمن كان أرقَى هِمَّةً كان أظهرا
ولم يتأخرْ مَن يريدُ تقدمًا
ولم يتقدمْ مَن يريدُ تأخرا

تحفيز الذات:

من المبادئ التي يتحدث عليها كثيرا في الدورات وغيرها تحفيز الذات، وأفضل تحفيز ذاتي ما يقوله الطغرائي:
وعادة الســـــــــــــــــــــيف أن يزهى بجوهرهِ
وليس يعــــمــــلُ إلا فــــي يديْ بـــطــــــــــلِ
قد رشـــــحــــــوك لأمــــــــرٍ إن فطـٍــــــنتَ له
فاربأ بنفســــــــــــــــــــك أن ترعى مع الهملِ.
فهنا في هذا البيت الشعري الرائع يوجد تحفيز للسامع يغنيه عن كل قول، فخلاصة القول إن على الرائد والرواد أن لا يضيعوا أوقاتهم في غير التعلم، وفي انجاز الاهداف وتحقيقها، فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
ومن التحفيز للذات احسان الظن بالله، فمن كان حسن الظن كان أكثر تحقيق للنجاح، فالثقة بالله هي عقلية العظماء وبهذا يقول الامام الشافعي:
قل للذي ملأ التشاؤمُ قلبَه
ومضى يُضيِّقُ حولنا الآفاقا
سرُّ السعادةِ حسنُ ظنك بالذي
خلق الحياةَ وقسَّم الأرزاقا

مبدأ التفويض وحسن اختيار المفوض

يقال في مبدأ التفويض:
 أرسل حكيما ولا توصه.
وهو مبدأ اداري رائع يقضي بضرورة تفويض المهام، وبضرورة تفويض الحكماء او اللبيب، والذكي، وهذا المعنى معبر عنه في الشعر العربي، فمالك بن مناة المعروف بين العرب بأنه من أفضل من يورد الإبل لتشرب ثم يصدرها إلى مرعاها،وهذا عمل شاق كان يتطلب احترافاً.
وعندما أنشغل مالك يوماً عن إيراد الإبل أرسل أخاه سعداً ليقوم بالعمل إلا أن سعداً لم يقم بالعمل بالطريقة الصحيحة، ولما رَآه مالك، قال بيت الشعر المشهور:
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما هكذا يا سعد تورد الإبل

امتلاك المبادئ:

للشاعر السعودي المعاصر عبد الرحمن بن صالح العشماوي
ما قـيمة الناس إلا في مبادئهم
لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب

الفشل طريق النجاح

من أروع المبادئ الريادية والتنموية التي يتم النشر والكتابة حولها هي أن الفشل دائما طريق النجاح، وأنه بالإصرار والعزيمة يمكن تحقيق النجاح في الحياة. وها هو الشعر العربي يذكر هذا ففيه:
أَخْلِقْ بِذِي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ     
وَمُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلْأَبْوَابِ أَنْ يَلِجا

صناعة الأهداف الواقعية: 

من شروط الاهداف أن تكون واقعية، ولا يصح وضع هدف غير واقعي، وعلى هذا تتحدث التنمية البشرية بشكل واسعة في شروط الاهداف المعروفة بSMART 
ونجد هذا المعنى واضح في شعر الشاعر السوداني المعروف بأنه مرهف الحس ادريس جماع، إذ يقول:
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه
إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه
فبين لن أن الهدف المرتبط بالواقع يمكننا تحقيقه وأما إن كان غير ذلك فإننا في الحقيقة نضيع وقتنا وجهدنا في هدف لا يمكن تحقيقه على كل حال، إذ كيف لحفاة أن يجمعوا دقيقاً تناثر فوق شوك في يوم ريح.
الهدف غير واقعي، وعليه فإننا يجب أن نغير الهدف أو نبحث عن أدوات ووسائل أخرى لتغيير البيئة المحيطة بالهدف.
وهذا هو الشرح العملي لأحد شروط تحقيق الهدف SMART
وهو الحرف الرابع R من الكلمة الشهيرة وهو يشير إلى كلمة Realistic أي أن يكون الهدف واقعياً.

مواجهة التحديات: 

من أبرز صفات رواد الاعمال او رجال الأعمال هي مواجهة التحديات والقدرة على التغلب على الصعاب، وبهذا المعنى يمكن أن نقوم بأن أبا العلاء المعري كان رائدا في زمانه فقد قال:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
وأغدو ولو أن الصباح صوارم
وأسري ولو أن الظلام جحافل
خدمة العملاء
يقول الشاعر العملاق أبو تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت
من أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه
ويقلبه ولعله أدرى به
ففي هذا الشعر تجد وصفا رائعا للذي يتمتع بمهارات الصبر على حماقات الآخرين، وهذا هو المعنى الذي يتم الكلام عنه، حول خدمة العملاء وكيفية الوصول الى إرضاء العميل، ونستطع أن نقارن بين المثل الصيني الذي يقول: إذا أنت لا تستطيع أن تبتسم فلا تفتح محلا ، وبين قول أبي تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رد جوابه
فهذا القوم قد فاق كتاب التنمية البشرية في الوصول الى رضا العميل، وهي حسن الرد والجواب على الشخص المتعجرف، أو العميل السيء.

اغتنام الفرص: 

يقال بأن سر النجاح لرواد الأعمال هو اغتنام الفرص، فباغتنام الفرص يستطيع تحقيق ما كان يحلم به، ولذلك عبر الشافعي عن اغتنام الفرص في الحياة، وأعطانا درسا رائعا في بيت شعري، فقال:
إذا هبت رياحك فاغتنمها
فإن لكل خافقة سكون
ولا تزهد عن الإحسان فيها
فما تدري السكون متى يكون
وإن درت نياقك فاحتلبها
فما تدري الفصيل لمن تكون

حساسية توظيف الأقارب: 

تنص الشركات والمؤسسات، على عدم توظيف الاقارب الى الدرجة الرابعة لما يمثله من حساسية مفرطة، بل المدراء الناحجون لا يقبلون توظيف الأقارب من قبل أصحاب العمل، ولنستمع الى الشاعر العربي كيف لخص هذه الحساسية، فقال طرفة ابن العبد أحد شعراء المعلقات وأصغر الشعراء سنا.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
وهذا هو المعنى الذي يقال في شأن حساسية توظيف الأقارب.

دروات الايجابية والتفاؤل و التغلب على الاحباط والتعامل مع القلق

الكثير من دورات التنمية البشرية لخصتها قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي، جاء فيها:
قالَ: السماءُ كئيبةٌ ! وتجهما قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السما !
قال: الصبا ولّى! فقلت له: ابتــسمْ لن يرجعَ الأسفُ الصبا المتصرما !!
قال: التي كانت سمائي في الهوى صارَتْ لنفسي في الغرام ِجــهنّما
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها قلبي , فكيف أطيق أن أتبســما !
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها لقضيت عــــمرك كــله متألما
قال: الــتجارة في صراع هائل مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
أو غادة مسلولة محــتاجة لدم ، و تنفث كلما لهثت دما !
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها وشفائها, فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم أَأُسرُّ و الأعداءُ حولي في الحمى ؟
قلت: ابتسم, لم يطلبوك بذمهم لو لم تكن منهم أجلّ و أعظما !
قال: المواسم قد بدت أعلامها و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و عليّ للأحبابِ فرضٌ لازمٌ لكن كفّي ليس تملك درهما
قلت: ابتسم, يكفيك أنك لم تزل حيًّا, و لست من الأحبة معدما!
قال: الليالي جرعتني علقما قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنّما طرح الكآبة جانبًا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح, لا خطر على شفتيك أن تتثلما, و الوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى متلاطمٌ, و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادامَ بينك و الردى شبرٌ, فإنك بعدُ لنْ تتبسّما

من صفات القائد التسامح

لذلك قال عنترة ابن شداد العبسي 
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال المجد من طبعه الغضب
هذا البيت الشعري لم يلخص التسامح فقط بل بين لنا إدارة الذات والتعامل مع الاخرين وخدمة العملاء، ويمكن الاستشهاد بهذا البيت الرائع في الكثير من معان التنمية البشرية.

قانون السقف: 

من أفضل قوانين القيادة التي تكلم عنها ماكسويل في كتابه 21 قانونا لا يقبل الجدل في القيادة قانون السقف، وبين أن من كان سقفه مرتفعا، كانت قيادته كبيرة، وضرب لذلك أمثلة رائعة. 
وهذا المعنى عبر عنه المتنبي في قوله: 
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
وبهذا نكون قد أعطينا أمثلة رائعة للتنمية البشرية في أشعار العرب، ويمكن لكل مدربي التنمية البشرية أن يستفيدوا من الأشعار العربية وان يبرزوها في درواتهم وفي دروسهم، وستكون خير شاهد لهم، بل ستعطي الملقي والمتحدث روعة في الكلام وحسن في النظم والإلقاء. 
فمن تعلم العربية رق طبعه كما يقول الامام الشافعي رحمة الله تعالى.
في الختام اذا أعجبك المقال فلا تمر دون تعليق 
واذكر لنا من أشعار العرب في التنمية.







إرسال تعليق
شكرا لتعليقك

افضل تطبيق للمهام وادارتها